جلست ذات صباح أقرأ إنجيلي اليومي، فطالعتني هذه الآية القوية التي استرجعت معها شريط حياتي كزوجة لخادم مكرس للرب منذ أكثر من عشرين عاماً،
والحقيقة أن الكلمة الأولى التي وصف بها الكتاب دور حواء،
استوقفتني أكثر من الثانية، لأن كلمة "نظيره" (الثانية) تدافع عنها أكثر من الهيئات الاجتماعية والمؤسسات المختلفة،
من أجل حصول المرأة على حقوقها ومساواتها بالرجل.
لكن تبقى الكلمة الأولى "معيناً" ذات مفهوم عالٍ جداً في نظري؛
فالكتاب ذكرها أولاً نظراً لأهميتها، ولأنها أساس دور حواء. وكلمة "معين"
هي تقدير كبير للمرأة. فالمعين هو شخص قادر أن يعين – مصاحباً للآخر-
عالماً بكل جوانب احتياجاته، وهي صفات تعني أن المرأة لديها قدرات رائعة،
ولابد من وجودها بجانب الرجل. وأيضاً دليلٌ على أنه من قلبها
ينبع كمٌ هائل من الحنان والحب لآدم.
لم تكن كل هذه الأفكار في حسباني، حينما دُعي زوجي للخدمة التكريسية في بداية حياتنا. ولم يكد يمضي على زواجنا أكثر من أربع سنوات، ولدينا طفلان؛ الكبرى ابنة والأصغر ابناً. وكان زوجي مهندساً يعمل في قطاع خاص، وأنا طبيبة بشرية، وحالتنا المادية جيدة جداً، وتبشر بالكثير وبخاصة أن زوجي كان مقدماً على أن يكون شريكاً في شركة هندسية... ولكن عندما جاءت الدعوة للخدمة وما يصاحبها من تغيير كبير في حياتنا، سواء على الصعيد الاجتماعي أو المادي، وجدت أن الدعوة لنا معاً، لأنه تغيير لابد من موافقتي عليه أولاً كشرط لتكريس زوجي. ومن هنا بدأت أفهم الآية، وبدأت معالم كلمة "معين" تتضح أمام عيني شيئاً فشيئاً.
تعلّمت مفهوماً جديداً للتكريس للخدمة أعمق بكثير مما كنت أراه في حياة خدّام مكرسين آخرين وزوجاتهم، لأنني ببساطة شديدة، وجدت أنه لا حدود ولا زمان للخدمة. فالخادم المكرّس، هو خادم 24 ساعة. فكما كان سيده يجول يصنع خيراً، معطياً أملاً لأكثر الخطاة شراسة، فها هو يسوع، الذي لا يقصف قصبة مرضوضة، ولا يطفئ فتيلة مدخنة، يطالبنا أن نكون تلاميذه ونتمثّل به.
لهذا بدأت أرى أنه ليس فقط زوجي هو المطالب بالعطاء الكامل، ولكن لكوننا واحداً، تفرّغت معه أيضاً للخدمة، وفي ذهني فكرة واحدة أن أكون معيناً لمن كرّس نفسه للخدمة، فأخدمه هو وأسرتي الصغيرة.. ولكن يبدو أنني لم أكن أفهم بعد بوضوح ماذا يريد الله مني؟!
منذ أن بدأ زوجي الخدمة، وهو يقدم ذاته في بذل لكل من يخدمه، وما يخدم لأنه كان ومازال يؤمن أنه كوكيل على خدمة المسيح، لابد أن يكون أميناً إلى أقصى درجة، وأيضاً كنت أظن أن دوري يقتصر على توفير جو هادئ في البيت، لكي يستطيع أن يقرأ، وأن لا أثقل عليه بمجريات الحياة اليومية، فيكفيه مشاغل خدمته.. ولكنني في هذا أيضاً كنت مخطئة.
ولكن الله أوضح لي بسرعة مفاهيم ودور زوجة الخادم المكرس، عندما احتاجت إحدى الفتيات الجانحات إلى مكان لقضاء الليل به، وإلا ذهبت إلى حيث لا رجعة... وجاء بها زوجي إلى المنزل... ترددت كثيراً في استقبالها، وأنا لديَّ طفلان صغيران لا يفهمان ما يحدث. لكن ترددي زال بسرعة إذ تساءل الطفلان: "هي دي يا ماما اللي يسوع قال عنها استضافة الغرباء"!!.. يا للعجب لقد فهم الصغيران الدرس أسرع مني، رغم أن سن الكُبرى لم يتجاوز الست سنوات، وأخيها الخمس سنوات. وفي الحال فهمت أنه لابد أن يكون هناك هدف من مجيء هذه الفتاة إلينا في البيت، وأنني لابد أن يكون لي دوراً مهماً، وإلا لما أرسلها الله لزوجي في الكنيسة مثلاً، فقد كان طوال ذلك اليوم في الكنيسة ولم يرجع البيت إلا في آخر الليل.
في الحقيقة لم أكن قد خدمت هذه النوعية من الخدمة من قبل، وكنت أخاف جداً من التعامل مع هذه النوعيات؛ لأنني بحكم نشأتي كنت فتاة وحيدة بين اثنين من الأخوة الذكور، مما جعلني مدلّلة بعض الشيء، ولكن يبدو أن كمية الحنان التي كان أبي وأمي يخصّاني بها، كان لها عظيم الأثر في حياتي فيما بعد، وتساءلت ماذا سأفعل معها، وأنا كل خدمتي السابقة بين أولاد وبنات مدارس الأحد القديسين ( نسبياً طبعاً).
وبدون أن أطيل عليكم، تسلّلت في هدوء إلى الغرفة التي استضفنا فيها الفتاة، ولم أفعل شيئاً سوى أن أحتضنها وقلت لها: "سوف أحضر لك شيئاً لتأكليه، فيبدو أنك جوعانة جداً". ولا تتخيّلوا مدى فرحها حين قلت هذا، لأنها فعلاً لم تكن قد أكلت شيئاً منذ الصباح الباكر، ثم أحضرت لها ملابس للنوم وعاملتها كما أعامل أولادي. هذا هو كل ما فعلت معها إلى اليوم التالي، حيث استيقظت في حالة جيدة جداً. وبعد أن جلست فترة طويلة مع زوجي، قررت الرجوع إلى بيتها وأخذها زوجي وخرج... وحين عودته، قال لي: " لدهشتي أن هذه الفتاة قالت لي رغم كل الكلام الحلو الذي تكلمت به معي عن يسوع ، إلاّ أن أكثر ما أثّر فيّ هو حنان زوجتك الذي ذكّرني بأمي، وماذا ستفعل إذا تركت المنزل ولم أعد إليها."
وللمرةِ الثانية، كانت كلمات الفتاة كناقوس، بعد كلمات أطفالي الصغار، ومن هنا عرفت أن زوجة الخادم المكرّس، لا يصح أن يقتصر دورها على خدمة زوجها وأسرتها فقط، رغم أهمية هذا الدور؛ ولكن أيضاً لابد أن تشاركه حياة التكريس، ويكون لها دورها الفعّال فيه.
ولا أريد أن يتبادر إلى أذهانكم أنني لا آخذ بركة من هذه الخدمة، بل في كل يوم تتضّح أمام عيني كم هي واسعة مراحم الرب، وأن كل كلمة في كتابنا المقدس، إنما هي فعلاً حياة حقيقية. فالبركات التي نأخذها من الضيقات لا يمكن أن تُقاس ولا تُحصى.
أقول لكم الحق، حينما بدأت في كتابة هذه الخواطر، لم أكن أدري ماذا سأكتب، ولكن من كثرة تدافع الأفكار والأحداث التي مرّت بي خلال أكثر من عشرين عاماً من حياتي كزوجة خادم مكرس، وجدت أن الكثير من المواقف لو تأملناها معاً لوجدنا أنها درساً لكلٍ منا، وأول المستفيدين من هذه الدروس هو أنا. منقول